فصل: سورة غافر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (28- 33):

{قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)}
{غير ذي عوج} أَيْ: ليس فيه اختلافٌ وتضادٌّ، ثمَّ ضرب مثلاً للموحِّد والمشرك فقال: {ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون} متنازعون سيِّئةٌ أخلاقهم، وكلُّ واحدٍ يستخدمه بقدر نصيبه، وهذا مَثَلُ المشرك الذي يعبد آلهةً شتى {ورجلاً سالماً} خالصاً لرجل وهو الذي يعبد الله وحده {هل يستويان مثلاً} أَيْ: هل يستوي مَثَل الموحِّد ومَثَل المشرك؟ {الحمد لله} وحده دون غيره من المعبودين {بل أكثرهم لا يعلمون} مفسَّر في سورة النَّحل. ثمَّ ذكر أنهم يموتون ويرجعون إلى الله فيختصمون عنده، فقال: {إنك ميت وإنهم ميتون} {ثمَّ إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} يعني: المؤمن والكافر، والمظلوم والظَّالم.
{فمن أظلم ممن كذب على الله} وزعم أنَّ له ولداً وشريكاً {وكذَّب بالصدق} بالقرآن {إذ جاءه} على لسان الرَّسول. {أليس في جهنَّم مثوى} مقامٌ ومنزلٌ لهؤلاء.
{والذي جاء بالصدق} يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن {وصدَّق} أبو بكر رضي الله عنه ثمَّ المؤمنون بعده.

.تفسير الآية رقم (36):

{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)}
{أليس الله بكافٍ عبده} يعني: محمداً صلوات الله عليه، ينصره ويكفيه أمر مَنْ يُعاديه {ويخوفونك بالذين من دونه} أَيْ: يُخوِّفونك بأوثانهم، يقولون: إنَّك لتعيبها، وإنَّها لتصيبنَّك بسوء، ثمَّ بيَّن أنَّهم مع عبادتهم الأوثان يُقرُّون بأنَّ الخالق هو الله.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)}
{ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنَّ الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله} الأوثان. {إن أرادني بضرٍّ} بلاءٍ وشدَّةٍ. هل يكشفنَ ذلك عني {أو أرادني برحمة} نعمةٍ. هل يمسكن ذلك عني؟ وهذا بيان أنَّها لا تنفع ولا تدفع.

.تفسير الآيات (42- 45):

{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)}
{الله يتوفى الأنفس} يقبض الأرواح {حين} عند {موتها والتي لم تمت} أَيْ: ويقبض روح التي لم تمت {في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت} أَيْ: يمسك أنفس الأموات عنده، {ويرسل الأخرى} أنفس الأحياء إذا أنتبهوا من منامهم يردُّ عليهم أرواحهم {إلى أجل مسمى} وهو أجل الموت.
{أم اتخذوا من دون الله شفعاء} أَيْ: الأوثان التي عبدوها لتشفع لهم. {قل أَوَلَوْ كانوا لا يملكون شيئاً} من الشَّفاعة {ولا يعقلون} أنَّهم يعبدونهم لا يتركون عبادتهم.
{قل لله الشفاعة جميعاً} فليس يشفع أحدٌ إلاَّ بإذنه.
{وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة} كان المشركون إذا سمعوا قول لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له نفروا من ذلك، وإذا ذكر الأوثان فرحوا، و{اشمأزَّت}: نفرت.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)}
{وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} في الدُّنيا أنَّه نازلٌ بهم في الآخرة.

.تفسير الآيات (49- 50):

{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50)}
{إنما أوتيته على علمٍ} أُعطيته على شرفٍ وفضلٍ، وكنت علمتُ أنِّي سأُعطى هذا باستحقاقي {بل هي فتنة} أَيْ: تلك العطيَّة فتنةٌ من الله تعالى يبتلي به العبد ليشكر أو يكفر.
{قد قالها الذين من قبلهم} يعني: قارون حين قال: {إنَّما أُوتيته على علمٍ عندي.}

.تفسير الآيات (53- 56):

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)}
{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} بارتكاب الكبائر والفواحش، نزلت في قومٍ من أهل مكَّة همُّوا بالإسلام، ثمَّ قالوا: إنَّ محمداً يقول: إنَّ مَنْ عبد الأوثان، واتَّخذ مع الله آلهةً، وقتل النَّفس لا يُغفر له، وقد فعلنا كلَّ هذا، فأعلم الله تعالى أنَّ مَنْ تاب وآمن غفر الله له كلَّ ذنب، فقال: {لا تقنطوا من رحمة الله...} الآية.
{وأنيبوا إلى ربكم} أَيْ: ارجعوا إليه الطَّاعة {وأسلموا} وأطيعوا {له}.
{واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم} أَيْ: القرآن، كقوله: {اللَّهُ نزَّل أَحسنَ الحَديثِ} وقوله: {أن تقول نفس يا حسرتى} أَيْ: افعلوا ما أمرتكم به من الإنابة واتِّباع القرآن خوفَ أن تصيروا إلى حالةٍ تقولون فيها هذا القول. وقوله: {على ما فرطت في جنب الله} أَيْ: قصَّرت في طاعة الله، وسلوك طريقة {وإن كنت لمن الساخرين} أَيْ: ما كنت إلاَّ من المستهزئين بدين الله تعالى وكتابه.

.تفسير الآية رقم (61):

{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)}
{وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم} بمنجاتهم من العذاب، والمفازة ها هنا بمعنى الفوز.

.تفسير الآيات (63- 64):

{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)}
{له مقاليد السموات والأرض} أَيْ: مفاتيح خزائنها، فكلُّ شيء في السموات والأرض؛ واللَّهُ فاتحُ بابه.
{قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون} هذا جواب الذين دعوه إلى دين آبائه.

.تفسير الآيات (67- 69):

{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)}
{والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة} أَيْ: ملكه من غير منازعٍ، كما يقال: هو في قبضة فلان: إذا ملك التَّصرُّف فيه وإن لم يقبض عليه بيده، {والسموات مطويات} كقوله: {يوم نطوي السَّماء} {بيمينه} أَيْ: بقوَّته. وقيل: بقسمه؛ لأنَّه حلف أنَّه يطويها.
{ونفخ في الصور فصعق} أَيْ: مات {مَنْ في السموات ومَنْ في الأرض إلاَّ من شاء الله} قيل: هم الشُّهداء، وهم أحياءٌ عند ربِّهم. وقيل: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وحملة العرش عليهم السَّلام. {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} ينتظرون أمر الله فيهم.
{وأشرقت الأرض} أُلبست الإِشراق عَرَصَاتُ القيامة {بنور ربها} وهو نورٌ يخلقه الله في القيامة يلبسه وجه الأرض {ووضع الكتاب} أَيْ: الكتب التي فيها أعمال بني آدم {وجيء بالنبيين والشهداء} الذين يشهدون للرُّسل بالتَّبليغ.

.تفسير الآية رقم (71):

{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)}
{وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً} جماعاتٍ وأفواجاً.

.تفسير الآيات (73- 75):

{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)}
{طبتم} أَيْ: كنتم طيِّبين في الدُّنيا. وقوله: {وأورثنا الأرض} أَيْ: أرض الجنَّةَ {نتبوَّأ من الجنة} نتَّخذ منها منازل {حيث نشاء فنعم أجر العاملين} ثواب المطيعين.
{وترى الملائكة حافين من حول العرش} محيطين به {وقضي بينهم} أيْ: حُكم بين أهل الجنَّة والنَّار. {وقيل الحمد لله رب العالمين}.

.سورة غافر:

.تفسير الآيات (1- 7):

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)}
{حم} قُضي ما هو كائن.
{تنزيل الكتاب} ابتداءٌ، وخبره: {من الله العزيز العليم}.
{غافر الذنب} لمن قال لا إله إلاَّ الله {وقابل التوب} ممن قال: لا إله إلاَّ الله {شديد العقاب} لمَنْ لم يقل لا إله إلاَّ الله. {ذي الطول} الغنى والسَّعة.
{ما يجادل في آيات الله} أَيْ: في دفعها وإبطالها. {فلا يغررك تقلبهم} تصرُّفهم {في البلاد} للتِّجارت، أَيْ: سلامتهم بعد كفرهم حتى إنَّهم يتصرَّفون حيث شاؤوا؛ فإنَّ عاقبتهم كعاقبة مَنْ قبلهم من الكفَّار، وهو قوله: {كذبت قبلهم قوم نوحٍ والأحزاب من بعدهم} أي: الذين تحزَّبوا على انبيائهم بالمخالفة والعداوة كعادٍ وثمود {وهمَّت كلُّ أمة برسولهم ليأخذوه} أَيْ: قصدت كلُّ أمة رسولها ليتمكَّنوا منه فيقتلوه {وجادلوا} بباطلهم {ليدحضوا} ليدفعوا {به الحق فأخذتهم} فعاقبتهم {فكيف كان عقاب} استفهام تقرير.
{وكذلك} ومثل ما ذكرنا {حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} يعني: قوله: {لأملأنَّ جهنم منك وممن تبعك...} الآية. ثمَّ أخبر بفضل المؤمنين وأنَّ الملائكة يستغفرون لهم فقال: {الذين يحملون العرش ومَنْ حوله} من الملائكة، وقوله: {ربنا وسعت كلَّ شيءٍ رحمةً وعلماً} أَيْ: وسعت رحمتك كلَّ شيء، وعلمتَ كلَّ شيء.

.تفسير الآيات (10- 16):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)}
{إن الذين كفروا ينادون} وهم في النَّار وقد مقتوا أنفسهم حين وقعوا في العذاب. {لمقت الله} إيَّاكم في الدُّنيا إذ تُدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبرُ من مقتكم أنفسكم.
{قالوا ربنا أمتَّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} وذلك أنَّهم كانوا أمواتاً نُطفاً، فأُحيوا ثمَّ أُميتوا في الدُّنيا، ثمَّ أُحيوا للبعث {فاعترفنا بذنوبنا} أي: أريتنا من الآيات ما أوجب علينا الإقرار بذنوبنا {فهل إلى خروج} من الدُّنيا {من سبيل}؟ فقيل لهم: {ذلكم} العذاب {بأنَّه إذا دعي الله وحده كفرتم} نكرتم وحدانيته {وإن يشرك به تؤمنوا} تُصدِّقوا ذلك الشِّرك {فالحكم لله} في إنزال العذاب بكم لا يمنعه عن ذلك مانع.
{هو الذين يريكم آياته} دلائل توحيده {وينزل لكم من السماء رزقاً} بالمطر {وما يتذكر} وما يتَّعظ بآيات الله {إلاَّ مَنْ ينيب} يرجع إلى الله بالإيمان.
{فادعوا الله مخلصين له الدين} الطَّاعة.
{رفيع الدرجات} رافعها لأهل الثَّواب في الجنَّة {ذو العرش} مالكه وخالقه {يلقي الروح} الوحي الذي تحيا به القلوب من موت الكفر {من أمره} من قوله {على مَنْ يشاء من عباده} على مَنْ يختصه بالرِّسالة {لينذر يوم التلاق} ليخوِّف الخلق يوم يلتقي أهل الأرض وأهل السَّماء، أَيْ: يوم القيامة.
{يوم هم بارزون} خارجون من قبورهم {لا يخفى على الله} من أعمالهم وأموالهم {شيء} يقول الله في ذلك اليوم: {لمن الملك اليوم} ثمَّ يجيب نفسه {لله الواحد القهار}.